بتاريخ 6 مارس 2020 خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير : القيم الإنسانية من خلال سورة الحجرات
خطبة الجمعة
بتاريخ 6 مارس 2020 خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير : القيم الإنسانية من خلال سورة الحجرات ، بتاريخ: 11 رجب 1441هـ – 6 مارس 2020م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : القيم الإنسانية من خلال سورة الحجرات :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : القيم الإنسانية من خلال سورة الحجرات ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : القيم الإنسانية من خلال سورة الحجرات ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : القيم الإنسانية من خلال سورة الحجرات : كما يلي:
عناصر خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : القيم الإنسانية من خلال سورة الحجرات :
أولًا: التأدب مع الله ورسوله
ثانيًا: التثبت عند نقل الأخبار
ثالثًا: إصلاح ذات البين
رابعًا: النهي عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب
خامسًا: النهي عن سوء الظن والتجسس والغيبة
سادسًا: تحقيق مبدأ المساواة
المقدمة: أما بعد:
عباد الله: تعالوا بنا لنقف مع حضراتكم مع القيم الإنسانية من خلال سورة الحجرات ؛ وفي الحقيقة كل قيمة من هذه القيم تحتاج إلى جمعة كاملة ؛ ولكننا نعرج إجمالًا حول هذه القيم؛ فما لا يدرك كله لا يترك كله ؛ وهذه القيم تتمثل فيما يلي:-
أولاً: التأدب مع الله ورسوله:
فالقرآن الكريم يذكرنا دائمًا في ثناياه بالتأدب مع الله تعالى ومع رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} (الحجرات: 1-3) . قال ابن كثير- رحمه الله- “: هذه آداب أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول صلى الله عليه وسلم من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام ”أ.ه
وقد روي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما. ففي البخاري عن ابن أبي مُلَيْكَة قال: كاد الخيِّران أن يهلكا، أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر -قال نافع: لا أحفظ اسمه-فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي. قال: ما أردت خلافك. فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ …… } الآية، قال ابن الزبير: فما كان عمر يسمعُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه”. وقوله ” حتى يستفهمه ” أي: يخفض صوته ويبالغ حتى يحتاج إلى استفهامه عن بعض كلامه؛ تأدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم!
ومن صور التأدب مع تعالى؛ الإيمان به والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه ؛ ومن صور التأدب معه صلى الله عليه وسلم توقيره وتوقير أهله وأزواجه وأصحابه.
قال تعالى: { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الفتح: 8 ؛ 9) . قال القاضي عياض: ومن توقيره صلى الله عليه وسلم وبره برُّ آله وذريته وأمهات المؤمنين وأزواجه؛ وتوقيرُ أصحابه وبرهم ومعرفة حقهم والاقتداء بهم وحسن الثناء عليهم والاستغفار لهم والإمساك عما شجر بينهم ومعاداة من عاداهم.
ثانيًا: التثبت عند نقل الأخبار :
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } . ( الحجرات: 6 ) . يقول الإمام ابن كثير: ” يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليُحتَاطَ له، لئلا يحكم بقوله فيكون -في نفس الأمر-كاذبًا أو مخطئًا، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله عن اتباع سبيل المفسدين ” .
فكثير من الناس وللأسف لا يتثبتون في نقل الأخبار ؛ ويصدرون الخبر؛ قال بعضهم: أو زعموا أو أكدت مصادر مطلعة أو أو إلخ .
وقد ذم الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الصيغ المجهولة ؛ والتي تؤدي إلى فساد المجتمع فقال -:
“بئس مَطِيَّة الرجل: زعموا” [أبو داود والبخاري في الأدب المفرد بسند صحيح] ؛ هذه الكلمة التي يبدأ بها مروج الإشاعات، فهو حتمًا لم يتثبت من الأمر؛ هدفه من نشر الأخبار إما المصلحة المادية أو الحصول على منصب؛ أو الظهور الإعلامي؛ أو مجارات الناس وكسب ودهم بقذف الناس والخوض في أعراضهم؛ أو غرس الفتنة بين أفراد المجتمع.
أحبتي في الله: إن نقل الأخبار الكاذبة والشائعات دون التثبت منها مرض اجتماعي خطير له أثر خبيث في إفساد القلوب، وإثارة الشحناء، ونشر العداوات،، ذلكم المرض هو مرض الإشاعات، أو مرض الشائعات، الإشاعات المختلقة فيسمعون كلمة واحدة، فيزيدون عليها مائة كلمة، ثم ينقلها الناس في الآفاق، وينقلها بعضهم إلى غيرهم حتى تصبح إشاعةً يسير بها بين القاصي والداني، ويؤدي إلى توهين العزائم؛ بالإضافة إلى الأذى الذي يحدثه في أعماق النفوس!!
فعليك أن تكون حكيمًا في تعاملك مع من نقل إليك خبراً:
ولنا في سلفنا الصالح القدوة الحسنة؛ فقد جاء رجل لعمر بن عبد العزيز في يوم يقول له: يا أمير المؤمنين إن فلانًا يقول عليك كذا !! قال له عمر: حسنا سننظر في أمرك، فإن كنت كاذبًا صدق فيك قول المولى عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات: 6]. وإن كنت صادقًا فأنت ممن قال فيهم: { هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} (القلم: 11)؛ وإن شئت عفونا عنك، فقال الرجل: العفو يا أمير المؤمنين العفو.. هكذا يجب التعامل مع ما نقل إليك من أخبار وشائعات!!
ثالثًا: إصلاح ذات البين:
وهذه من أهم القيم ؛ إصلاح ذات البين بين طوائف المجتمع؛ استجابة لقوله تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } . ( الحجرات : 9 ؛ 10 ) . وقوله تعالى:
{ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} (الأنفال: 1)؛ فإصلاح ذات البين من أعظم القربات؛ يقول عليه الصلاة والسلام: “ألا أخبركم بأفضلَ من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟” قالوا: بلى، قال: “إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين” ( رواه أبو داود بإسناد صحيح ).
فإصلاح ذات البين عزيمة راشدة ونية خيرة وإرادة مصلحة، والأمة تحتاج إلى إصلاح يدخل الرضا على المتخاصمين، ويعيد الوئام إلى المتنازعين، إصلاح تسكن به النفوس وتأتلف به القلوب، ولا يقوم به إلا عصبة خيرة من خلق الله ، شرفت أقدارهم، وكرمت أخلاقهم، وطابت منابتهم ، لجمع الأمة على كلمة واحدة إذا أردنا إصلاحًا؛ فالاجتماع نعمة، والخلاف فرقة وشتات، وما فتئ القرآن يحذر من التنازع والخلاف، ويذكر بمصير المتنازعين، ويكفي أن يتذكر المسلم قول الله جل وعلا: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].
لذلك أخبرنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أحاديث كثيرة أن الشحناء والبغضاء والخصام سبب لمنع المغفرة والرحمات والبركات:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا” (مسلم) . فبادر أنت بالخير إذا أعرض عنك أخوك وكن أنت الأخير ، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ”(متفق عليه) .
رابعاً: النهي عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} . (الحجرات: 11) .
فقد نهتنا الآية الكريمة عن صفات السخرية واللمز والتنابز بالألقاب ؛ وهي صفات تربطها علة واحدة ؛ وهي استحقار الآخرين والتنقيص من شأنهم وقدرهم .
ففي السخرية من الآخرين :
عَنِ ابنِ مسعودٍ ، أنَّهُ كانَ يجتَني سواكًا منَ الأراكِ ، وَكانَ دَقيقَ السَّاقينِ ، فجَعَلتِ الرِّيحُ تَكْفؤُهُ ، فضَحِكَ القومُ منهُ ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : مِمَّ تضحَكونَ ؟ قالوا : يا نبيَّ اللَّهِ ، مِن دقَّةِ ساقيهِ ، فقالَ : والَّذي نَفسي بيدِهِ ، لَهُما أثقلُ في الميزانِ مِن أُحُدٍ ( أحمد والطبراني بسند حسن ) . فهم سخروا من عبدالله بن مسعود لدقة ساقه؛ وهو وأوّل من صدح بالقرآن الكريم على رؤوس الملأ بمكّة وناله من ذلك أذىً كثيرًا، وهو الذي قام بالإجهاز على أبي جهل يوم بدر وحمل رأسه إلى المسلمين ليُبشّرهم بمقتل عدوّهم . فالعبرة ليست بالوزن والطول والعرض ؛ فهناك رجل كالفيل وليس له وزن عند الله ؛ والعكس .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؛ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ . وَقَالَ اقْرَءُوا: { فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } “. ( متفق عليه ) .
وفي الغمز واللمز :
عن أبي مسعود قال : لما نزلت آية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا ، فجاء عبدالرحمن بن عوف فتصدق بشيء كثير ، فقالوا : مرائي . وجاء رجل اسمه ( أبو عقيل ) فتصدق بصاع ، فقالوا : إن الله لغني عن صدقة هذا الصعلوك. فنزلت {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ( التوبة: 79) . قال ابن كثير:” وهذه أيضًا من صفات المنافقين: لا يسلم أحدٌ من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال، حتى ولا المتصدقون يسلمون منهم، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا: هذا مراء، وإن جاء بشيء يسير قالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا “.
وفي التنابز بالألقاب:
عَنْ أَبِي جَبِيرَةَ بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ : فِينَا نَزَلَتْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ : {وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} ، قَدِمَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ وَالرَّجُلُ مِنَّا لَهُ الاِسْمَانِ وَالثَّلاَثَةُ ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ رُبَّمَا دَعَاهُمْ بِبَعْضِ تِلْكَ الأَسْمَاءِ فَيُقَالُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّهُ يَغْضَبُ مِنْ هَذَا ، فَنَزَلَتْ : {وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ}. ( النسائي وابن ماجة والحاكم وصححه ) .
يقول الإمام الطبري في تفسيره: ” التنابز بالألقاب: هو دعاءُ المرء صاحبَه بما يكرهه من اسمٍ أو صفة، وعمَّ اللهُ بنهيه ذلك، ولم يخصص به بعضَ الألقاب دون بعض؛ فغير جائزٍ لأحدٍ من المسلمين أن ينبز أخاه باسمٍ يكرهه أو صفةٍ يكرهها ” .
لهذا نهانا الشارع الحكيم عن هذه الصفات لأنها تنقص من قدر الآخرين وتجرح مشاعرهم .
خامسًا: النهي عن سوء الظن والتجسس والغيبة
وهذه الصفات الذميمة يجمعها قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} . (الحجرات: 12) .
والظن : التهمة من غير دليل . والتجسس : البحث عن عيب المسلمين وعوراتهم، فالمعنى لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه ليطلع عليه إذا ستره الله . والغيبة : ذكرك أخاك في غيابه بما يكره . وإنما جمع الله بين هذه الصفات السلبية المنهي عنها في آية واحدة لارتباط بعضها البعض ؛ والاشتراك في العلة وهي : التصور والانطباع السيء عن الآخرين؛ وذلك بأن يظن بالشخص سوءًا أنه فاسق أو مدمن خمر أو مدمن نساء أو غير ذلك ؛ ثم يتجسس عليه ويتتبع عورته ليتأكد من تصوره عنه ؛ ثم يذكره بما يكره في غيبته .
ولهذا جمعت السنة بين هذه الأمور المنهي عنها ؛ كما جمع بينها القرآن .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ ، وَلاَ تَحَسَّسُوا ، وَلاَ تَجَسَّسُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ” . ( متفق عليه ) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :” أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ . قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ ” . ( مسلم ) .
وعن أبي بَرْزة الأسلميّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ” يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ: لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِع اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ ” . ( أحمد وأبو داود وابن حبّان وصحّحه ) .
وكفى هذه الفعلة قبحًا أن صاحبها كالذباب لا يكاد يقع إلا على المستقذرات والمنتنات والمستقبحات ذوقًا وعرفًا، بل وشرعًا.
وكما يشتد تحريم الظن السيء ويعظم إثمه إذا جر الظان للتجسس على المظنون به، فإنه يشتد ويعظم ويقبح أكثر فأكثر إذا أدى إلى نقل الظان عن المظنون للغير قولًا أو فعلًا أو أي أمر يشينه، ولا سيما عند من بيده حول أو صول من الناس لارتكابه جريمة عظمى وداهية كبرى جريمة.
سادسًا: تحقيق مبدأ المساواة :
وذلك من خلال قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }. ( الحجرات: 13 ) . فقد أرست السورة الكريمة مبدأ المساوة ؛ وقضت على كل ألوان العنصرية والطبقية ؛ بل قد وضع النبي صلى الله عليه وسلم العنصرية تحت قدميه في خطبة الوداع: فعَنْ أَبِي نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ:
” ألا وإنَّ كل شيء مِن أمر الجاهلية موضوعٌ تحت قدميَّ هاتَين ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ ، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ”. ( أحمد والطبراني والبيهقي وقال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح). وعَنْ عُقْبَةَ بن عَامِرٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:” إِنَّ أَنْسَابَكُمْ هَذِهِ لَيْسَتْ بِسِبَابٍ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنَّمَا أَنْتُمْ بنوا آدَمَ طَفُّ الصَّاعِ أَنْ تَمْلَؤُوهُ، لَيْسَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلا بِدِينٍ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ، حَسْبُ امْرِئٍ أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا بَذِيئًا بَخِيلا حَلافًا “. ( أحمد والبيهقي والطبراني بسند حسن).
أيها المسلمون: إن الإسلام جاء ليقضي على كل هذه الفوارق والطبقات وجعل الناس كلهم سواسية؛ فقد كان كبار الصحابةِ مَن لا ينتمي إلى العرب أصلًا، فهذا سلمان (الفارسي)، وصهيب (الرومي)، وبلال (الحبشي).
فالإيمان أذاب الفوارقَ التي تقومُ على أساسٍ من الجنس أو العِرق أو اللون؛ وجعل التقوى معيارًا للتفاضل بين الناس مهما كان الحسب والنسب .
وهكذا – أيها المسلمون – اشتملت السورة الكريمة على القيم والآداب الإنسانية التي هي قوام المجتمع المسلم ؛ فعلينا أن نغرس هذه القيم في نفوس أبنائنا وبناتنا وجميع أفراد مجتمعنا ؛ حتى يسود المجتمع علاقات الود والحب والصفاء والنقاء ؛ ونتطهر من كل ألوان السخرية وسوء الظن والتجسس والغيبة والنميمة وجميع الخصال الذميمة .
نسأل الله أن يوفقنا لمراضيه ؛ وأن يجنبنا مناهيه ؛ وأن يحفظ مصرنا من كل مكروه وسوء ؛؛ اللهم آمين؛؛؛؛
الدعاء،،،،، وأقم الصلاة،،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد عن قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف